أسس بناء المنهج المدرسي "الجزء الأول"

أسس بناء المنهج المدرسي "الجزء الأول"

كان التحول الإيجابي والمهم الآخر في المناهج الدراسية المدرسية هو المواطنة العالمية، حيث يتعلم الطلاب المزيد حول كيفية الوجود والمساهمة في عالم يزداد تشابكًا وترابطًا. وتؤثر القضايا العالمية على الجميع بطريقة مختلفة عما كانت عليه في الماضي، وذلك إلى حد كبير بسبب التكنولوجيا، وهذا لأن جميع المؤسسات التعليمية أصبحت مرتبطة بطريقة لم تختبرها مع الأجيال السابقة، وبالتالي يجب أن تكون الرسالة الموحدة لكل مسؤولي التعليم أن نخرج طلاب قادرين على التنقل في دورهم ورحلتهم في هذا المجتمع العالمي، وهو ما سنمدكم به في هذه المقالة، والتي ستناقش معكم فكرة "أسس بناء المنهج المدرسي"، والمُقتبسة من كتاب: "مقدمة في علم المناهج التربوية"، بقلم كل من: د. محمد عبد الله الحاوري، و د. محمد سرحان علي قاسم. 

إذا كانت المناهج هي وسيلة المدرسة الأساسية التي يحدث بها التغيير المنشود في سلوك أفراد المجتمع، لذا فإنه يجب أن تقوم عملية بناء المناهج على أسس تربوية واضحة المعالم لكي تقوم المدرسة بواجبها الأساسي نحو إعداد النشء للحياة بصورة متوازنة عبر الأجيال.  ومن الجدير بالذكر أن علماء التربية قد تناولوا أسس بناء المناهج المدرسية -بكثير من التفصيل- تحت عناوين وتقسيمات متعددة.

أسس بناء المنهج المدرسي

 ويمكن تصنيف هذه الأسس وعرضها على النحو التالي: 

  • أولًا: الأسس الفلسفية للمنهج. 

  • ثانيًا: الأسس المعرفية للمنهج.

  •  ثالثًا: الأسس النفسية للمنهج.

  •  رابعًا: الأسس الاجتماعية والثقافية للمنهج. 

وسيتم تناولها على النحو الآتي: 

أولًا: الأسس الفلسفية للمنهج: الفلسفة كلمة يونانية وأصلها (فيلا صوفيا)، تعني حب الحكمة، وتعني تفسير المعرفة تفسيرًا عقليًا. وكانت تشمل العلوم جميعًا، واقتصرت في هذا العصر على المنطق والأخلاق وعلم الجمال وما وراء الطبيعة. ويمكن القول بأن الفلسفة منظومة من الفكر تنشأ نتيجة البحث عن المعرفة، وخاصةً فيما يتعلق بطبيعة الوجود ومعناه... والفلسفة التربوية هي أسلوب منهجي منظم في تناول القضايا التربوية، يتركز حول غايات التعليم ووسائل تحقيقها.

والأسس الفلسفية للمنهج هي المنطلقات الفكرية والنظرية التي تحكم العملية التربوية، وتوجهها اختيارًا وتنظيمًا، وفي ضوئها تتحدد ملامح الشخصية التي تستهدفها التربية، وهي بذلك تُمثل هوية المجتمع وشخصيته التي تميزه عن سائر المجتمعات. وتختلف بسببها ناتج الشخصية بالحفاظ عليها ثابتة على فطرة الله تعالى، أو مسخها وسلخها عنها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله  ﷺ: "كلُّ مولودٍ يولَدُ على الفطرةِ فأبواه يُهوِّدانِه أو يُنصِّرانِه أو يُمجِّسانِه." متفق عليه. 

ومن أشهر الفلسفات التي أثرت في بناء المناهج الدراسية:

1. الفلسفة المثالية (التقليدية): وهي ترى أن الحقيقة عقلية مطلقة، والحياة الحقة روحية لا مادية، وتهدف إلى نقل التراث الإنساني إلى الأجيال، وبالتالي تُعتبر المادة الدراسية (المقرر الدراسي) الأساس الذي تقوم عليه المناهج، وهدف التعليم فيها أن يستوعب الطلاب المعلومات والمعارف المقدمة إليهم.

 ومن تطبيقاتها التربوية: 

  • التركيز على الكتاب المدرسي باعتباره المصدر الأساسي للمعلومات.

  • اقتصار التقويم على الجانب المعرفي، وعلى جانب التحصيل العلمي فقط، والاختبارات هي الأداة الوحيدة للتقويم. 

  •  عدم الاهتمام بالأنشطة.

  • إهمال الفروق الفردية، وميول الطلاب واتجاهاتهم.

2. الفلسفة الواقعية: وهي نقيض الفلسفة المثالية، حيث تجعل الحقيقة مستقلة عن العقل يكتشفها الإنسان؛ ولذا فهي تركز على التجريب والملاحظة والمنهج التجريبي،  وأن المعرفة نسبية ومتغيرة وليست مطلقة وأزلية، ومتغيرة وغير ثابتة. 

ومن تطبيقاتها التربوية: 

  • الاهتمام بالمواد العلمية. 

  • اتباع المنهج التجريبي في البحث التربوي

  • استخدام أساليب القياس والتقويم في الكشف عن المؤشرات المادية للتعلم.

3.  الفلسفة البراجماتية (التقدمية/ العملية): تُركز على الجوانب العملية التطبيقية، وأن النظريات تظل قليلة الجدوى حتى يتم تطبيقها والإفادة منها، وهي تؤكد على أن العمل والنفع أساس الحكم على صدق الفكرة أو المنهج التعليمي، وترى أن اكتساب الخبرة يتم عن طريق التفاعل بين الطفل والبيئة، وأن كل ما هو نافع وقابل للتطبيق يُعد مفيدًا وصادقًا.

 ومن تطبيقاتها التربوية:

  • التأكيد على مناهج النشاط، وطريقة المشروع، وحل المشكلات.

  • التأكيد على العوامل الذاتية والشخصية في التعليم والتعلم.

  • استخدام أكثر من مصدر للمعلومات المنهجية بالإضافة إلى الكتاب المدرسي.

  •  مراعاة الفروق الفردية من خلال تنوع الخبرات المقدمة للطلاب. 

  • الاهتمام بعملية التقويم المستمر وشمولها لجوانب الوجدان والمهارة بالإضافة للجانب المعرفي. 

  • الاهتمام بالأنشطة باعتبارها جزء من المنهج، والاهتمام بالنواحي التجربية. 

4. الفلسفة التجديدية: تُعتبر امتدادًا للفلسفة التقدمية، مع فرق جوهري واحد هو الاهتمام الكبير بالمستقبل، ومستقبل الحضارة في هذا الكون، ويُؤمن أصحاب هذه الفلسفة أن المؤسسات المجتمعية، ومنها مؤسسة التعليم يصورها الراهنة لم تعد قادرة على التكيف مع متطلبات المستقبل، وأن علينا أن نهتم بدراسة المستقبل. وتُركز هذه الفلسفة على المجتمع وتؤكد أن على كل فرد أن يسهم في تحقيق مصالح الآخرين، وأن يُحسن في استخدام الموارد، ويعمل على زيادتها، واستشراف المستقبل والاستعداد لمواجهته، واستثمار الفرص المتاحة فيه.

 ومن تطبيقاتها التربوية:

  • الدعوة إلى الاهتمام بالإبداع والابتكار والتنمية الذاتية. 

  • الاستفادة القصوى من الثورة التقنية، والإنترنت.

  • الاهتمام بعلوم المستقبل، وجودة المنتج التعليمي.

 5- الفلسفة الإسلامية: وهي الإطار الفكري والنظري الذي تنطلق منه التربية في المجتمعات المسلمة لصياغة الشخصية المسلمة الصالحة في نفسها المصلحة لغيرها، المنتجة النافعة لذاتها ومجتمعها والناس من حولها، وتتمثل في القرآن الكريم والسنة المطهرة وما قدمه الفقهاء والمفكرون المسلمون من إسهامات تربوية، في ضوء احتياجات الدنيا والآخرة. وهذا يعني ممارسة النشاط المعرفي التربوي کشفًا وتجمیعًا و ترکیبًا وتوصيلًا ونشرًا من زاوية التصور الإسلامي للكون والإنسان والحياة. 

ولها ثلاثة مبادئ أساسية هي:

  1.  الخلق الهادف؛ {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ } الآية: (56)، سورة الذاريات.

  2.  التوحيد؛ أن خالق الوجود ومعبوده هو واحد، هو الله وحده لا شريك له.

  3. الاتزان.

 ومن تطبيقاتها التربوية: 

  • التأكيد على كل نافع مفيد في الجانب التربوي، في تحقيق عبوديته لله. 

  • الالتزام بآداب الشريعة في الأهداف والمحتوى وطرق التدريس والوسائل التعليمية.

  •  لا تقتصر على الخبرات التعليمية فيما يخص المعرفة الدينية الشرعية بل تشمل الحياة كلها. 

  •  تؤكد على خلافة الإنسان لله في الأرض، وأن العبادة هي الهدف الأسمى من خلق الإنسان.

  • تسخير الكون لخدمة الإنسان، وتكريم الإنسان وأنه مُطالب دائمًا بالتفكر والتدبر، والإنسان كل متكامل.

  •  التأكيد على أن طلب العلم فريضة، والعمل فرض عين.

  • التأكيد على أن الكون غيب وشهادة، وأننا لسنا وحدنا في هذا الكون، فهناك عوالم لا نراها ولكن نؤمن بوجودها كالملائكة والجن.

  •  التأكيد على أن الدين يشمل الحياة كلها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

  • التأكيد على التوحيد باعتباره جوهر العقيدة في التصور الإسلامي.

وأخيرًا، حتى لا نطيل عليكم أكثر من هذا، لكن قبل أن ننهي مقالتنا هذه، نود أن ننبهكم أن: "ليس هذا كل شيء، فهناك عدة أسس أخرى للمنهج المدرسي لم نتطرق لها في هذه المقالة، ولكننا سنتطرق لهم في مقالة أخرى بنفس العنوان: "أسس بناء المنهج المدرسي (الجزء الثاني)". ونتمنى أن تكونوا قد استمعتم بالمعلومات التي تشاركناها معكم حول أسس بناء المنهج المدرسي

 

0